
باريس تتمسك برفض تسليم مطلوبين للجزائر… هؤلاء أبرز الأسماء
يمثل ملف تسليم الشخصيات والنشطاء المطلوبين من القضاء الجزائري أحد أبزر الملفات العالقة ضمن سياقات الأزمة السياسية والدبلوماسية الحادة بين الجزائر وباريس، اذ ترى الجزائر، وفق تصريحات سابقة للرئيس عبد المجيد تبون، أن رفض السلطات الفرنسية تسليمها المطلوبين، رغم وجود اتفاق تعاون قضائي واتفاقية لتبادل وتسليم المجرمين والمطلوبين، يرقى إلى تواطؤ سياسي مقابل توظيفهم في خدمة المصالح الفرنسية.
وعارض القضاء الفرنسي، الأربعاء الماضي، تسليم وزير الصناعة الجزائري الأسبق عبد السلام بوشوارب الذي يطالب القضاء الجزائري بتسليمه لملاحقته في قضايا فساد ونهب للمال العام، ولم يكن رفض باريس تسليم بوشوراب هو الوحيد على هذا المستوى إذ ترفض فرنسا تسليم عدد آخر من الشخصيات والمسؤولين السابقين والناشطين المطلوبين من القضاء الجزائري.
ويلاحق القضاء الجزائري الوزير بوشوارب بسلسلة طويلة من التهم من بينها منح صفقات مخالفة للقانون وإساءة استغلال الوظيفة واستغلال النفوذ للحصول على مزايا غير مستحقة، بالإضافة لاتهامه بالضلوع في قضية التمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات إبريل/نيسان 2019، والتي أُلغيت بسبب الحراك الشعبي، وصدرت أحكام بالسجن 20 سنة بحق بوشوارب مع إصدار أربعة أوامر دولية بالقبض عليه. وبوشوارب موجود في فرنسا وقال ضمن مراسلة سابقة وجهها إلى القضاء الجزائري بخضوعه للعلاج في مصحة نفسية.
كما أن على لائحة المسؤولين المطلويين الذين ترفض باريس تسليمهم حتى الآن، القائد السابق للدرك الوطني عبد الغالي بلقصير، الذي أقيل من منصبه في يوليو/تموز 2019 قبل أن يفر إلى الخارج، وأصدر قاضي التحقيق العسكري بالمحكمة العسكرية بالبليدة، قرب العاصمة الجزائرية، في شهري مارس/آذار وأغسطس/آب 2020 أربعة مذكرات توقيف دولية في حق بلقصير، ثلاثة منها تخص قضايا فساد بتهمة الثراء غير المشروع والرابعة تتعلق بالخيانة العظمى والاستحواذ على معلومات ووثائق سرية لغرض تسليمها لأحد عملاء دولة أجنبية.
وفي مطلع فبراير/شباط الماضي قال تبون لصحيفة لوبوان الفرنسية: “نود أيضاً أن توافق فرنسا على طلباتنا في مجال تسليم المطلوبين، مثل ما فعلت إسبانيا وإيطاليا وألمانيا. لكننا نلاحظ بغرابة أن باريس تمنح الجنسية أو حق اللجوء لشخصيات ارتكبت جرائم اقتصادية أو تمارس أعمالاً تخريبية على الأراضي الفرنسية. ووفقاً لمعلوماتنا فإن بعضهم تم توظيفهم مخبرين”.
وضمن لائحة المطلوبين يأتي الناشط أمير بوخرص (أمير دي زاد)، الذي يقدم نفسه على أنه معارض سياسي ويقوم بنشر وثائق ومعلومات يهاجم فيها السلطة والمسؤولين في الجزائر، وهو مصنف في اللائحة الحكومية للإرهاب وصدرت بحقه عدة أحكام قضائية بالسجن 20 عاماً بتهم بالابتزاز والانتماء إلى تنظيم إرهابي ونشر وثائق ومعلومات سرية. وكانت الجزائر قريبة من إقناع باريس بتسليمه، إذ كانت السلطات الفرنسية أوقفت أمير بوخرص في يوليو/تموز 2020 بناءً على سبعة طلبات تسليم جزائرية، لكن وكيل الجمهورية بمحكمة نانتير في باريس قرر الإفراج عنه. كما تطالب السلطات الجزائرية باريس تسليمها الصحفي عبد الرحمن سمار المقيم في باريس والذي سبق أن أصدر القضاء الجزائري بحقه أحكاماً بالسجن والإعدام في أكتوبر/تشرين الأول 2022 في قضايا تخابر ونشر معلومات خاصة.
ويوجد أيضاً بين الشخصيات التي تطالب الجزائر باريس بتسليمها، الصحافي والضابط السابق في المخابرات هشام عبود المتهم في الجزائر بالإرهاب والذي صدرت بحقه عدة أحكام بالسجن غيابياً وأوامر قبض دولية، ويلاحقه القضاء الجزائري بتهم الهجرة غير شرعية والإرهاب والتشهير. كما تطالب السلطات الجزائرية باريس تسليمها بعض قيادات حركة رشاد، والتي تصنفها الحكومة الجزائرية منذ مايو/أيار 2021 حركة إرهابية، إضافة إلى قيادات في حركة الماك، وهي حركة تطالب استقلال القبائل ذات الغالبية الأمازيغية، والمصنفة حركة إرهابية وعلى رأسهم المغني والمناضل السابق في الحركة الأمازيغية فرحات مهني، المدان في الجزائر بأحكام بالسجن وأصدر مذكرات توقيف دولية بحقه.
ويعتقد مراقبون أنه من غير المرجح في الوقت الحالي أن تستجيب باريس لأي من طلبات التسليم الجزائرية، خاصة في ظل الأزمة السياسية والدبلوماسية الحادة بين البلدين من جهة، ولكون الجزائر ترفض منذ فترة التعاون مع باريس في ملف ترحيل الرعايا الجزائريين المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا أو ممن تقرر استبعادهم لارتكابهم مخالفات ضد القوانين الفرنسية، على غرار المؤثرين الجزائريين الذين تم اعتقالهم مؤخراً، من جهة ثانية.
وقال الباحث المهتم بالعلاقات الجزائرية الفرنسية والمقيم في فرنسا، عبدي قاسم، لـ”العربي الجديد”: “في الغالب تبرر باريس رفضها تسليم هؤلاء المطلوبين إلى الجزائر باستقلالية قرار القضاء الفرنسي وبعدم توفر الشروط الضرورية لمحاكمة عادلة في الجزائر، وبسبب رفض باريس الاعتراف بتهم الإرهاب التي توجهها الجزائر لبعض المطلوبين على خلفيات سياسية أو لوجود أحكام بالإعدام. لكن الجزائر تشكك في أن أطرافاً مؤثرة في فرنسا ترفض ترحيلهم لاستخدامهم في الإضرار بالمصالح الجزائرية، والاستمرار في إثارة الجدل بشأن السلطة والمسؤولين في الجزائر”، مضيفاً أن “الاحتمالات تبقى قائمة بشأن إمكانية أن يكون تسليم هؤلاء أو بعضهم على الأقل في المستقبل ثمناً لقبول الجزائر استقبال المبعدين، أو جزءاً من أية تسوية سياسية للأزمة القائمة بين البلدين”.